Monday, October 11, 2010

The Godfather Part I



الأب الروحي: مقال نقدي قبل تحول الفيلم لأحد المقدسات

إيبرت يصف أداء مارلون براندو بالرخيص، ويعترف ببحث كوبولا عن حبكة اقتصادية

لا يعتبر ترجمة مقال نقدي عن فيلم (The Godfather) أمر مفيد، فالفيلم يقع ضمن قائمة الأفلام المحظور نقدها بعد أن حصل على لقب أفضل فيلم لدي معظم رجال هذا الكوكب، ما دفعني لترجمة هذا المقال أن تاريخه هو 1/1/1972 أي بعد أسابيع من عرض الجزء الأول للفيلم في السينما، أي قبل تحول الفيلم لشيء مقدس لا يمكن نقده، إيبرت نفسه وقع تحت تأثير قدسية الفيلم عندما قام بكتابة مقال نقدي آخر عام 1994 يتناول الفيلم لكن المقالة الأولي أفضل كثيراً ومثيرة للغاية.

نقد إيبرت

تعرفنا في رواية (Thy Father) لجاي تيلسي على عالم العصابات بشكل جديد، العيش كرجل عصابات لا يمنحك راحة ومال وفيرين لكن كل شيء في حياتك يكون ملطخاً بالدماء، الصعوبات والطلقات النارية، هذا ما شعرت به عندما شاهدت فيلم (The Godfather) الذي تخلي عن عرض مظاهر الحياة الجميلة التقليدية لرجال العصابات وأظهر لنا ما يتبقي دون ذلك، عنف وقتل بين الجيران، شك في ولاء أقرب الناس، انتقام وقتل مع كل اهانة تظهر.

الشيء الملحوظ والرائع في رواية (ماريو بوزو) أن القصة يتم حكيها من داخل حياة الأبطال، لم يعطينا قصة مؤامرة دولية، لكنها كانت قصة عصابة في مجتمع صغير للغاية كأنه نادي خاص يجمع كل أبطال الفيلم، كل فرد في هذا النادي يعرف كل شيء عن كل الأشخاص بطريقة حدسية.

سيناريو الفيلم كتب من رواية بوزو لكن برؤية فرانسيس فورد كوبولا -كما أظن- استطعنا فهم أفراد عائلة دون كورليوني بشكل جيد للغاية، ليس لأننا مجرمين لكن لأن الفيلم يغص بعمق داخل حياتهم ولتورطنا معهم منذ البداية، نشاهدهم يجهزون للحرب من داخل المطبخ حيث يقوموا بتحضير الطعام.

شخصية الأب الروحي نفسها ليست الشخصية المحورية في الفيلم، فهذا الدور ذهب إلى الابن الأصغر والأذكى مايكل، الذي تفهم طبيعة وضع والده بعد مراجعته لحياته القديمة وأسلوب تعامله مع كل شيء، دور الأب الروحي للعائلة يظهر من اسمه، فهو يقف خارج الأسرة ليحدد ملامح عملها ويرشد الجيل الجديد الذي سيتولى كل شيء من بعده.

هؤلاء ممن قرؤوا الرواية ربما يصابوا بالدهشة عندما يشاهدوا مايكل كمحور أساسي للفيلم بدلاً من دون كورليوني، لكن الوضع يبدو منطقياً لأسباب اقتصادية، فمخرج كوبولا الوحيد لإنجاح الفيلم كان الاعتماد على آل باتشينو الشاب الصغير الذكي ذو الشخصية المتحولة، بدلاً من الأب العجوز الداهية الذي لا يقهر، ليتناول قصة نقل السلطة داخل العائلة.

أداء براندو كان ماهراً لكنه رخيص للغاية، رغم حصوله على جائزة الأوسكار كأفضل ممثل، صوت براندو كان حاداً (wheezy) وهامس في الوقت نفسه، كما افتقدت حركاته عمداً للدقة، وكأنه رجل تمتع بالقوة لدرجة لا يحتاج فيها لتذكير من حوله بذلك، براندو كان يشبه دون كورليوني العجوز ربما بسبب الميك أب وبالتأكيد بسبب طريقة التمثيل، لكنه لم يحالفه التوفيق في وضع الكثير من القطن في فكه حتى بدا الأمر كأنهما لا يتحركا أبداً.

باقي ممثلي الفيلم يثبتوا أن هذا الطاقم رائع للغاية وتم اختياره بدقة شديدة، فرغم طول مدة الفيلم التي تقترب من الثلاث ساعات إلا أنهم كانوا جيدين لدرجة لم يحتاج معها الفيلم لتوضيح خلفيات كل شخصية فيهم، كليمنزا ضابط العائلة، جاك ولز قيصر الفيلم، لوكا برانسي القاتل المحترف الأمين، ماك كلامسي الضابط الفاسد، نجح كوبولا مع منتج الفيلم في اختيار كل الممثلين تقريباً بصورة متميزة، سترلينج هايدن نجح في دور الضابط الأيرلندي، ريتشارد كاتسيلانو هو كليمنزا دون أدني شك، وجون مارلي صنع دور المنتج الهوليودي الكريه بسهولة جداً.

نجاح رواية "الأب الروحي" كان بسبب العديد من المشاهد التي لا تنسي، بوزو روائي متمكن للغاية، كلنه ليس كاتب السيناريو الرائع، الفيلم لم يترك أي مشهد من الرواية إلا وقام بتنفيذه ربما إلا مشهد نسائي واحد فقط، الفيلم لم يترك مشهد قتل واحد إلا وقام بتنفيذه وهو أمر نادر الحدوث في هذه الأيام، الفيلم يفتتح بمشهد الزفاف تماماً كما في الرواية ويبدأ تصاعد الفيلم بشكل درامي وبعدد جيد من التفجيرات والسيارات ومشاهد القتل.

نجح كوبولا في إيجاد ستايل وصورة بصرية لكل مشهد في الفيلم ليصبح "الأب الروحي" فيلم مختلف ومتميز صنع من رواية حققت أفضل المبيعات، كان اختيار تصوير الفيلم في حقبة الأربعينات قرار موفق جداً على عكس وجه النظر الأولية للإنتاج بتوفير بعض النفقات وتصوير الأحداث في فترة السبعينات، فلو لم يتم ذلك لربما فقد الفيلم كل البريق والنجاح الذي حققه، كوبولا ومدير تصويره جوردون ويليس اختارا بعض الألوان الرائعة للفيلم خاصة اللون البني المحمر الذي تم إضافته على الفيلم ليصبح كورقة جريدة من زمن الأربعينات.

ورغم أن مدة الفيلم تقترب من الثلاث ساعات إلا أن الفيلم يمتصنا بتفاصيله طوال الوقت حتى أنه لم يحتاج أن يسرع من الإيقاع أبداً، لكن يوجد شيء في ايقاع نقل السلطة من دون كورليوني إلى مايكل، ربما كان من الأفضل تسريع إيقاع هذه القصة أكثر من ذلك، ورغم طول الفيلم إلا أننا لم نتعرف على الكثير من خلفيات وتفاصيل العديد من الشخصيات في الفيلم، ولكن يكفي التأمل في أحد نظرات تلك الشخصيات لمعرفة كل التفاصيل عنها.

Ebert

Me

أقع تحت تأثير قدسية "The Godfather"، منذ المرة الأولي التي شاهدت فيها الفيلم حتى المرة 213546 مازالت أعتقد أن الفيلم أفضل من أن يتم نقده أو مقارنته بأي فيلم آخر، إيبرت أنتقد الفيلم في عدة نقاط، كان أبرزها نقده لأداء مارلون براندو في تجسيده لشخصية دون كورليوني، ربما وقع إيبرت نفسه تحت تأثير فشل براندو في عدة أفلام قبل هذا الفيلم والسمعة السيئة التي جناحها من فشل العديد من أفلامه والتي حصل فيها على أجر عالي للغاية دون أن تحقق نجاح جماهيري أو حتى نقدي، براندو أبهر كوبولا نفسه عندما قام بأداء تجريبي للشخصية، بالفعل كانت اختيارت براندو رخيصة فيما يخص مكياج الشخصية لكن نجاحه بهذه الأدوات البسيطة – القطن والزيت- في المشاهد التجريبية لم يدفعه لتغيرها وهو أمر منطقي فلماذا تقوم بتغير شيء ناجح لمجرد أنه رخيص.

الجزء الثاني الخاص بطول مدة الفيلم رد عليه إيبرت نفسه عندما أكد أن نظره واحدة لأحد الشخصيات أو ردود أفعالها يمكنك من فهمها بشكل كبير، وهو أمر يحسب لكل فريق العمل وليس للمخرج أو الممثل فقط.

النقطة الثالثة كانت استخدام كوبولا لحبكة اقتصادية بوضع مايكل كورليوني في وسط الأحداث بدلاً من الدون نفسه، لا أعتقد أنها حبكة اقتصادية مضمونة العواقب، فحتى لو اختار كوبولا هذه الفكرة فإن المجازفة بشاب صغير لم يحق نجاحاً ضخماً في السينما من قبل مجازفة خطيرة وخطوة غير اقتصادية بالمرة.

بعد مرور سنوات على هذا الفيلم تعرف الجميع على دور كوبولا في السيناريو وشاهدت ذلك من خلال الدي في دي الإضافي المصاحب لثلاثية الفيلم احتفالا بمرور 25 عام على صدوره، كوبولا كتب سيناريو الفيلم منفرداً دون مشاركة من ماريو بوزو، لكنه كتب سيناريو الفيلم على ورق الرواية نفسه، لذلك نجد الرواية شديدة الالتزام بكل تفاصيل الرواية لأنها كتب بالأساس على ورق الرواية نفسه فيما يسميه كوبولا بـ "Godfather Notebook".

حكاية هذه الأوراق بدأت عندما قام كوبولا بفصل ورق الرواية بشكل فردي وقام بلصق كل ورقة ذات القطع الصغير على ورق "A4" وكتب ملاحظاته على هوامش الورقة الجديدة، وعندما قرر كوبولا كتابة السيناريو اكتشف أن كل ما يمكن كتابته موجود في هذه الهوامش.

حاول الكثيرون تفسير سر وضع الفيلم على قائمة أفضل الأفلام لدي الكثير من محبي السينما، وكان الأمر صعب للغاية، لكن الأمر الأسهل هو تفسير سبب حب الرجال للفيلم الذي يعتبره الكثير من الرجال والنساء فيلم ذكوري، أحد أسباب هذا الإحساس هو بعض المشاهد التي لا تنسي لا أتذكرها جميعاً، لكن من أكثر المشاهد التي أحببتها وأعتقد أنها سبب في حب الرجال للفيلم كان مشهد كذب مايكل كورليوني على زوجته عندما سألته عن علاقته بأحد جرائم القتل، كذب مايكل كان شديد الروعة كأي رجل في هذا الموقف أعتقد أن هذا هو التصرف المثالي.

بعض الملاحظات الأخرى مثل عدم ذكر اسم زوجة دون كورليوني في الفيلم وتهميش دور المرأة في الحبكة الأساسية كانت من أهم الدوافع لحب الرجال للفيلم.

ملاحظة أخيرة: كتب إيبرت مقال نقدي آخر عام 1994 عن الفيلم المقال لم يكن فيه العديد من النقد الموجود في المقالة أعلاه، ربما بسبب وقع إيبرت تحت تأثير الفيلم بعد مرور عشرين عاماً أو تغير رأيه بعد فترة، وفي الحالتين أري أن ترجمة المقالة الأولي أفضل بكثير.

تقدير إيبرت 10/10

تقديري للفيلم: خارج المنافسة أو التقدير

3 comments:

Mai Kamel said...

i agree with ebert (By the way)

محمد حسين said...

إنها مفارقة أن يتعرض فيلم حاسم النجاح لنقد كاتب أصبحت آرائه حاسمة التصديق
من هذه المفارقة يمكن الالتفات لشيء مهم: بعض الأعمال الفنية تحتاج لوقت حتى تختمر وتعطينا عجينة كونية ناجحة ترتبط بموروثنا النفسي الإنساني
أحيانا لا ندرك سبب هذا أو آلية حدوثه، بل أنك لا يمكنك ترشيح فيلم حالي لهذا التخمر التاريخي.. إنها ببساطة.. أشياء تحدث
لن نعرف أبدا لماذا نعتبر أن فيلم (4-2-4) هو أفضل فيلم عن كرة القدم رغم تدنيه فنيا، ولا لماذا يكون (Starship Troopers) ممتعا على تفاهته وسطحيته، ربما يرتبط هذا بسياق اجتماعي حالي أو لاحق
إذا اعتبرنا هذا مقياسا، فيمكن ربط الاب الروحي بنضوج جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية ووصوله إلى مرحلة الشباب، جاء هذا تاليا لثورة التحرر الجنسي التي قضت على آخر سيطرة فيزيائية للرجال على المرأة، ومع إعلانات تظهر فيها المرأة عضلات ذراعها البارزة، وأفلام الحركة ببطولة نسائية مطلقة، حتى أفلام البورنو في نهاية السبعينات كانت تظهر نماذج نسائية مسيطرة. شباب هذا التوقيت كان أول من يواجه مفارقة عجزه أمام المرأة الجديدة رغم موروثه القديم الذي استند لآلاف السنين على تفوق الذكور
القوة الأساسية بالفيلم تأتي من اعتماده المنطق الذكوري البسيط في بنائه، مثل مشهد البداية العبقري الذي لخص الصراع الدرامي لمعظم الفيلم في أقل من عشر ثوان
بدون حتى السعي للتبسيط، يمكن تشبيه المنطق الذكوري بأنه مثل الخط المستقيم، فمايكل لا يحتار كثيرا في واجباته كعضو بالعائلة أو وهو كبيرها، لديه طريقتان للتصرف، المهادنة والإقصاء، منطق بسيط لا يلتف كثيرا حول الأمور، ويتماهى منظور الفيلم مع هذا في عدم كشفه لما ينتويه مايكل أو كما نصح فيتو كروليوني بعدم كشف النوايا أمام الأعداء
المنطق الانثوى يبدو قريبا من شبكة عنكبوتية ثلاثية الأبعاد، لكنه أعقد من هذا بكثير ولا يمكن مقاربته بأي نموذج سابق لفرط تفرده في كل نقطة. كتابات ميرال الطحاوي وأفلام (Frida) و(The Hours) تبدو عنقودية بدون نسق، وليس لها مضمون سوى ذاتها
لكن الأب الروحي ينفذ ركلة بعيدة ناجحةا بكونه عدائيا ضد الأنثى. ليس فقط لأن الأم تقضي الفيلم بالمطبخ (حتى دور الطبخ يتم إقصائها عنه عندما يسيطر الجناح العسكري على العصابة بقيادة كليمانسا والابن سوني)، ولكن لأن كل امرأة في الفيلم يرتبط ظهورها بكارثة أو مشكلة مستحيلة الحل يتم تأجيلها فتعطل جريان الأحداث، مثل حماقة الأخت التي تؤدي لمصرع سوني (لاحقا تتطور شخصية الأخت في الجزء الثالث عندما تنطوي تحت القوانين الذكورية ولكن بأسلوب أفعواني)، ومثل تساؤلات كاي واعتراضاتها التي تبدو غبية ومملة بينما تتعرض العائلة لتهديدات مصيرية
ينتهي الفيلم بمشهد انتقامي لكل الرجال المحبطين اجتماعيا وجنسيا بشكل يرضي هرمونات التيستوستيرون لديهم، مايكل يتلقى فروض الطاعة والولاء من معاونيه، وكاي في الخارج تنظر بفضول وارتباك، بينما روكو يغلق الباب ليضع الفاصل النهائي بينها وبين عالم الرجال

مُصْعَب إِبْرَاهِيم said...

لا أجد مقال إيبرت متحاملا إلى هذا الحد

التدوينة أعجبتني جدا وكنت منتظرها، لكن لي ملاحظتان صغيرتان أثرا على تدفق القراءة

الأولى : أنك كررت أكثر من نقطة أكثر من مرة، كأن تذكر مرتين على الأقل أن إيبرت كتب مقالا آخر..

الثانية: بعض الأخطاء الإملائية، هذه الأشياء اللعينة تصفعني حين أكون في أشد لحظات انتباهي، وأضطر لإعادة قراءة الفقرة وأحيانا المقال من أوله لادخل ثانية في "المود".. لكن يحسب لك أنني لم أكن أمل من تكرار القراءة :)


إلى المعلق محمد حسين.. أخلع القبعة احتراما! هذا بالضبط ما كان يدور في ذهني، لكن في صورة أفكار خالصة لا تجد في حقيبة معلوماتي ما يشرحها أو يؤيدها على أرض الواقع.. أعتقد أن أحمد من المفترض أن ينشر تدوينة تفصيلية منبعها هذا التعليق.. ربما هذا غير ممكن لأن إيبرت لم يقله، ولكنها مجرد أمنية!

إلى مي : طبعا تحبين رأي إيبرت خصوصا النقاط السيئة، أنت منهن :P

Post a Comment